اللوائح الانتخابية اكتملت.. مشهد “العرس الديموقراطي” لم يتغيّر!
103 لوائح انتخابية تُزين “عرس الديموقراطية” الآت في 15 أيار / مايو المقبل، العُدّة اكتملت تقنيًا فيما يبقى لسيل التكتيكات الانتخابية مسار طويل من الاشتباكات الشعاراتية والخُطَب التعبوية والألاعيب والرشاوى المالية.
بزيادة 26 لائحة عن انتخابات العام 2018، أقفل باب تسجيل اللوائح في وزارة الداخلية مساء يوم أمس الإثنين في 4 نيسان على 103 لوائح، بعد انشطار وافتراق عمودي وأفقي بين الأحزاب والقوى الكبرى والمجموعات “التغييرية” وقوى المال التي توزّعت في فسيفساء بعضها ثابت ومفهوم والبعض الآخر يحتاج إلى طلاسم لفك أحجيتها لشدة غرابتها المعاكسة لشعاراتها.
للاستحقاق المقبل على اللبنانيين، وصل عدد المرشحين إلى 1043 مرشحًا، انسحب منهم 42 مرشحًا قبل إقفال باب سحب الترشيح، و284 لم يُكتب لهم نصيب دخول جنّة اللوائح. وهذا ما ظهر في انخفاض عدد المرشحين المنضوين في عضوية اللوائح إلى 718 مرشحاً، بينهم 118 امرأة، مع تسجيل زيادة نون النسوة عن الانتخابات السابقة.
الارتفاع في عدد اللوائح توزّع على عدد من الدوائر الأساسية بسبب تعدد القوى السياسية فيها وخفوت أو ابتعاد أحزاب وولادة مجموعات جديدة. مثلًا، ارتفع عدد اللوائح في دائرة الشمال الثانية طرابلس إلى 11 لائحة وعشر لوائح في دائرة بيروت الثانية، في ظل غياب تيّار المستقبل وتيّار العزم وشخصيات سنّية بارزة في التيّارين. وفيما وصل عدد اللوائح في دائرة الجنوب الثالثة إلى ثلاث لوائح، وهي الدائرة الوحيدة التي سجلت أقل عدد باللوائح في لبنان، زاد عدد اللوائح في كل الدوائر المتبقية كزحلة 8 لوائح وكسروان جبيل 7 لوائح.
المشهد السياسي للانتخابات لم يطرأ عليه تغييرًا جذريًا، فالظواهر الصوتية لمجموعات “انتفاضة 17 تشرين” والمتعاطفين معها تبعثرت عند أول استحقاق تغييري وأخفقت في صياغة مشروع سياسي وانتخابي واضح، ما أدّى إلى محدودية حظوظها في نيل تمثيل ذي اعتبار يُمكن أن يؤسس لولادة منظومة سياسية جديدة في الانتخابات المقبلة. التعثّر الحاد نتيجة الخلافات العضوية بين قوى التغيير ظهرت في بيانات “نشر الغسيل” الانتخابي والمواقف المضادة وحملات تهشيم متبادلة بين المجموعات “الثورية” وحتى تحالف بعضها مع قوى حزبية موجودة في السلطة منذ سنوات.
وبالتالي، فإن القوى الأخرى من الجبهة المقابلة المستهدفة من “التغييريين وحلفائهم، مثل التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وحلفاؤهم يدخلون الاستحقاق براحة بال ولو تبدّلت بعض تحالفاتها الانتخابية “التقنية” و”الطفيفة” في هذه الدائرة أو تلك، ما يسمح لها بتجديد شرعيتها الشعبية.
بالنسبة للتيّار الوطني الحر الذي خاض مفاوضات شاقة، داخل تيّاره وخارجه، في رحلة حياكة التحالفات، تبدّل مشهده الانتخابي بعد أن تحالف مع تيّار المستقبل، الذي ترك الساحة السياسية مؤقتًا، في أكثر من دائرة في العام 2018.
وبعد افتراق في كسروان جبيل عام 2018 يخوض التيار الاستحقاق القادم مع شريكه في تفاهم مار مخايل (حزب الله) على لائحة واحدة، فيما تبدّلت وجوه المعركة النيابية بعدما انقلب عناصرها في الانتخابات السابقة ضده. في باقي المناطق، حافظ التيار البرتقالي على الوجوه نفسها مع تغيير طفيف طال النواب ماريو عون وحكمت ديب وروجيه عازار الذين بقوا خارج السباق.
وضمن الأحزاب أيضًا، بدّلت القوات اللبنانية عددّا كبيرًا من الوجوه في معظم الدوائر، وأبقى حزب الكتائب على قديمه تقريبًا، وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي. وحافظت لوائح الثنائي حزب الله وحركة أمل على “صقورها” النيابية مع تغيير طفيف في بعض الوجوه في النبطية وبنت جبيل وزحلة.
بالنسبة لتيار المستقبل الذي عزف رسميًا عن المشاركة بالانتخابات، لم يغب “تقنيًا” عن الاستحقاق مع مشاركة “حريريين” و”مستقبليين” في لوائح موزعة على معظم الدوائر من عكار مرورًا ببيروت وصولاً إلى صيدا والبقاع الغربي.
التحضيرات للاستحقاق، سياسيًا ولوجستيًا، متواصلة وتحضيرات وزارة الداخلية لإنجاز الاستحقاق لا تقل أهمية عن نسج التحالفات. وبعد أن ساهم برنامج الانتخابات التابع للأمم المتحدة بدعم الوزارة لإنجاز هذه المرحلة، التي بدأت بتسجيل المرشحين وصولاً إلى دعم هيئة الاشراف على الانتخابات وتأمين اللوجستيات، تسعى الوزارة إلى تأمين موظفين يوم الاقتراع.
وفيما تحتاج إلى 14 ألف موظف ثابت و2000 احتياط تسجّل حتى الآن 7 آلاف شخص. وهذا ما يمكن أن يسبب مشكلة في يوم الانتخاب ويصبح الاستحقاق برمته عرضة للطعن والتشكيك. ويعود سبب الاحجام عن التطوع ضآلة البدل المالي في ظل ارتفاع كلفة النقل وارتفاع المحروقات. فيما تشكل هذه المشكلة هاجسًا لعدم القدرة على انجاز الاستحقاق في غياب الكهرباء وضعف شبكة الانترنت.
هذه الأمور اللوجستية وغيرها، تهدّد بالإطاحة بالاستحقاق وذا ما تمّ تجاوزها فإن الهم الذي سيشغل القوى السياسية هو، بحسب الخبير كمال فغالي، “المقاطعة الشعبية”. وهو يؤكد وفق دراسات أجراها “أن الامتناع عن المشاركة سيكون عنوان هذه الانتخابات لأن فئات كبيرة من الناس لا تريد التصويت للأحزاب والبدائل لم تأتِ بموجة واسعة تسمح بالتغيير الكبير”.
الأزمة المعيشية الطاحنة، التي لا تشغل الشعارات الانتخابية الموجّهة نحو الإلغاء والإقصاء وتشويه الآخر، هي في الواقع الشغل الشاغل للناخبين وبحسب ما تظهره الاحصاءات، هناك تغيّرات في سلوكيات الناخب وحالة الغضب والاحتقان هي السائدة. هذا الغضب قد يتم تشخيصه بسلاح المقاطعة لا سيّما في المناطق الشمالية وبيروت حيث تواجد شرائح واسعة من الطائفة السنية الأكثر غضبًا.
على الرغم من تشكيك من هنا ورغبات من هناك، فإن تحضيرات الاستحقاق الانتخابي قد أُنجزت بمجملها، وإذا تمّ حل المشاكل اللوجستية فإن اللبنانيين على موعد مع يوم “نِزال” دستوري وديموقراطي وجميع أسلحة المعركة ستكون موضوعة على الطاولة من اليوم حتى 15 أيار.